فصل: التداوي بالخمر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.شروط إقامة الحد:

يشترط في إقامة حد الخمر الشروط الآتية:

.1- العقل:

لأنه مناط التكليف، فلا يحد المجنون بشرب الخمر، ويلحق به المعتوه.

.2- البلوغ:

فإذا شرب الصبي، فإنه لايقام عليه الحد، لأنه غير مكلف.

.3- الاختيار:

فإن شربها مكرها فلاحد عليه، سواء أكان هذا الاكراه بالتهديد بالقتل، أو بالضرب المبرح، أو بإتلاف المال كله، لأن الاكراه رفع عنه الإثم.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه».
وإذا كان الاثم مرفوعا فلاحد عليه، لأن الحد من أجل الاثم والمعصية.
ويدخل في دائرة الاكراه الاضطرار فمن لم يجد ماء وعطش عطشا شديدا يخشى عليه منه التلف، ووجد خمرا، فله أن يشربها.
وكذلك من أصابه الجوع الشديد الذي يخشى عليه منه الهلاك، لأن الخمر حينئذ ضرورة يتوقف عليها الحياة، والضرورات تبيح المحظورات.
يقول الله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد إثم عليه إن الله غفور رحيم}.
وفي المغني: أن عبد الله بن حذافة أسره الروم، فحبسه طاغيتهم في بيت فيه ماء ممزوج بخمر، ولحم خنزير مشوي، ليأكل الخنزير، ويشرب الخمر، وتركه ثلاثة أيام، فلم يفعل، ثم أخرجوه خشية موته، فقال: والله لقد كان الله أحله لي، فإني مضطر.
ولكن لم أكن لاشمتكم بدين الإسلام.

.4- العلم بأن ما يتناوله مسكر.

فلو تناول خمرا مع جهله بأنها خمر، فإنه يعذر بجهله، ولا يقام عليه الحد.
فلو لفت نظره أحد من الناس، فتمادى في شربه، فإنه لا يكون معذورا حينئذ، لارتفاع الجهالة عنه، وإصراره على ارتكاب المعصية بعد معرفته، فيستوجب العقاب ويقام عليه الحد.
وإذا تناول من الشراب ما هو مختلف في كونه خمرا بين الفقهاء، فإنه لايقام عليه الحد: لأن الاختلاف شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
وكذلك لايقام الحد على من تناول النئ من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالربد، الذي أجمع الفقهاء على تحريمه إذا كان جاهلا بالتحريم، لكونه بدار الحرب أو قريب عهد بالإسلام، لأن جهله يعتبر عذرا من الاعذار المسقطة للحد، بخلاف من كان مقيما بدار الإسلام، وليس قريب عهد بالدخول في الإسلام، فإنه يقام عليه الحد، ولا يعذر بجهله، لأن هذا مما علم من الدين بالضرورة.

.عدم اشتراط الحرية والإسلام في إقامة الحد:

والحرية والإسلام ليسا شرطا في إقامة الحد، فالعبد إذا شرب الخمر فإنه يعاقب، لأنه مخاطب بالتكاليف التي أمر الله بها ونهى عنها.
إلا في بعض التكاليف التي يشق عليه القيام بها لانشغاله بأمره سيده، مثل صلاة الجمعة والجماعة.
والله سبحانه أمر باجتناب الخمر، وهذا الأمر موجه إلى الحر والعبد، ولا يشق عليه اجتنابها، ويلحقه من ضررها ما يلحق الحر.
وليس ثمة من فرق بينهما إلا في العقوبة، فإن عقوبة العبد على النصف من عقوبة الحر، فيكون حده عشرين جلدة أو أربعين: حسب الخلاف في تقدير العقوبة.
وكما لا تشترط الحرية في إقامة الحد، فإنه لا يشترط الإسلام كذلك، فالكتابيون من اليهود والنصارى الذين يتجنسون بجنسية الدولة المسلمة ويعيشون معهم مواطنون، مثل الاقباط في مصر، وكذلك الكتابيون الذين يقيمون مع المسلمين بعقد أمان إقامة موقوتة مثل الاجانب، هؤلاء يقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر في دار الإسلام، لأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
ولان الخمر محرمة في دينهم، كما سبقت الاشارة إلى ذلك، ولآثارها السيئة وضررها البالغ في الحياة العامة والخاصة.
والإسلام يريد صيانة المجتمع الذي تظله راية الإسلام، ويحتفظ به نظيفا قويا متماسكا، لا يتطرق إليه الضعف من أي جانب، لامن ناحية المسلمين، ولا من ناحية غير المسلمين.
وهذا مذهب جمهور الفقهاء، وهو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه.
ولكن الأحناف - رضي الله عنهم - رأوا أن الخمر، وإن كانت غير مال عند المسلمين لتحريم الإسلام لها، إلا أنها مال له قيمة عند أهل الكتاب، وأن من أهرقها من المسلمين يضمن قيمتها لصاحبها، وإن شربها مباح عندهم.
وإننا أمرنا بتركهم وما يدينون.
وعلى هذا فلا عقوبة على من يشربها من الكتابيين.
وعلى فرض تحريمها في كتبهم، فإننا نتركهم، لأنهم لا يدينون بهذا التحريم، ومعاملتنا لهم تكون بمقتضى ما يعتقدون، لا بمقتضي الحق من حيث هو.

.التداوي بالخمر:

كان الناس في الجاهلية قبل الإسلام يتناولون الخمر للعلاج، فلما جاء الإسلام نهاهم عن التداوي بها وحرمه.
فقد روى الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، عن طارق ابن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء، ولكنه داء».
وروى أبو داود، عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أنزل الداء والدواء، فجعل لكم داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام».
وكانوا يتعاطون الخمر في بعض الاحيان قبل الإسلام إتقاء لبرودة الجو، فنهاهم الإسلام عن ذلك أيضا.
فقد روى أبو داود أن ديلم الحميري سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا رسول الله، إنا بأرض باردة، نعالج فيها عملا شديدا، وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا؟ قال رسول الله: هل يسكر؟ قال: نعم قال: فاجتنبوه قال: إن الناس غير تاركيه قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم».
وبعض أهل العلم أجاز التداوي بالخمر بشرط عدم وجود دواء من الحلال يقوم مقام الحرام، وأن لا يقصد المتداوي به اللذة، والنشوة، ولا يتجاوز مقدار ما يحدده الطبيب، كما أجازوا تناول الخمر في حال الاضطرار.
ومثل الفقهاء لذلك بمن غص بلقمة فكاد يختنق ولم يجد ما يسيغها به سوى الخمر.
أو من أشرف على الهلاك من البرد، ولم يجد ما يدفع به هذا الهلاك غير كوب أو جرعة من خمر.
أو من أصابته أزمة قلبية وكاد يموت، فعلم أو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين بن الخمر.
فهذا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات.

.حد الزنا:

1- دعا الإسلام إلى الزواج وحبب فيه، لأنه هو أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية، وهو الوسيلة المثلى لاخراج سلالة يقوم على تربيتها الزوجان ويتعهدانها بالرعاية، وغرس عواطف الحب والود، والطيبة، والرحمة، والنزاهة والشرف، والاباء، وعزة النفس.
ولكي تستطيع هذه السلالة أن تنهض بتبعاتها، وتسهم بجهودها في ترقية الحياة وإعلائها.
2- وكما وضع الطريقة المثلى لتصريف الغريزة منع من أي تصرف في غير الطريق المشروع، وحظر إثارة الغريزة بأي وسيلة من الوسائل، حتى لا تنحرف عن المنهج المرسوم. فنهى عن الاختلاط، والرقص، والصور المثيرة، والغناء الفاحش، النظر المريب، وكل ما من شأنه أن يثير الغريزة أو يدعو إلى الفحش حتى لا تتسرب عوامل الضعف في البيت، والانحلال في الاسرة.
3- واعتبر الزنا جريمة فانونية تستحق أقصى العقوبة لأنه وخيم العاقبة، ومفض إلى الكثير من الشرور والجرائم.
فالعلاقات الخليعة والاتصال الجنسي غير المشروع، مما يهدد المجتمع بالفناء والانقراض، فضلا عن كونه من الرذائل المحقرة. {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}.
4- لأنه سبب مباشر في انتشار الأمراض الخطيرة التي تفتك بالابدان، وتنتقل بالوراثة من الآباء إلى الابناء، وأبناء الابناء، كالزهري، والسيلان، والقرحة.
5- وهو أحد أسباب جريمة القتل، إذ أن الغيرة طبيعية في الإنسان، وقلما يرضى الرجل الكريم، أو المرأة العفيفة بالانحراف الجنسي، بل إن الرجل لا يجد وسيلة يغسل بها العار الذي يلحقه ويلحق أهله إلا الدم.
6- والزنا يفسد نظام البيت، ويهز كيان الاسرة، ويقطع العلاقة الزوجية، ويعرض الأولاد لسوء التربية مما يتسبب عنه: التشرد، والانحراف والجريمة.
7- وفي الزنا ضياع النسب، وتمليك الأموال لغير أربابها عند التوارث.
8- وفيه تغرير بالزوج: إذ أن الزنا قد ينتج عنه الحمل، فيقوم الرجل بتربية غير ابنه.
9- إن الزنا علاقة مؤقتة لا تبعة وراءها، فهو عملية حيوانية بحتة ينأى عنها الإنسان الشريف.
وجملة القول أنه قد ثبت عمليا ثبوتا لا مجال للشك فيه عظم ضرر الزنا، وأنه من أكبر الاسباب الموجبة للفساد وانحطاط الآداب، ومورث لاقتل الادواء، ومروج للعزوبة واتخاذ الخدينات، ومن ثم كان أكبر باعث على الترف والسرف والعهر والفجور.
لهذا كله وغيره جعل الإسلام عقوبة الزنا أقسى عقوبة.
وإذا كانت هذه العقوبة تبدو قاسية، فإن آثار الجريمة المترتبة عليها أشد ضررا على المجتمع.
والإسلام يوازن بين الضرر الواقع على المذنب، والضرر الواقع على المجتمع، ويقضي بارتكاب أخف الضررين، وهذه هي العدالة.
ولا شك أن ضرر عقوبة الزاني لا توزن بالضرر الواقع على المجتمع من إفشاء الزنا، ورواج المنكر، وإشاعة الفحش والفجور.
إن عقوبة الزنا إذا كان يضار، بها المجرم نفه، فإن في تنفيذها حفظ النفوس، وصيانة الاعراض، وحماية الاسر، التي هي اللبنات الأولى في بناء المجتمع، وبصلاحها يصلح وبفسادها بفسد.
إن الأمم بأخلاقها الفاضلة، وبآدابها العالية، ونظافتها من الرجس، والتلوث، وطهارتها من التدلي والتسفل.
على أن الإسلام - من جانب آخر - كما أباح الزواج أباح التعدد حتى يكون في الحلال مندوحة عن الحرام، ولكي لا يبقي عذر لمتقرف هذه الجريمة.
وقد احتاط في تنفيذ هذه العقوبة بقدر ما أخاف الزناة وأرهبهم:
1- فمن الاحتياط أنه درأ الحدود بالشبهات، فلا يقام حد إلا بعد التيقن من وقوع الجريمة.
2- وانه لابد في إثبات هذه الجريمة من أربعة شهود عدل من الرجال، فلا تقبل فيها شهادة النساء، ولا شهادة الفسقة.
3- وأن يكون الشهود جميعا رأوا عملية الزنا نفسها كالميل في المكحلة، والرشاء في البئر، وهذا مما يصعب ثبوته.
4- ولو فرض أن ثلاثة منهم شهدوا بهذه الشهادة وشهد الرابع بخلاف شهادتهم، أو رجع أحدهم عن شهادته أقيم عليهم حد القذف.
فهذا الاحتياط الذي وضعه الإسلام في إثبات هذه الجريمة، مما يدفع ثبوتها قطعا.
فهذه العقوبة هي إلى الارهاب والتخويف أقرب منها إلى التحقيق والتنفيذ.
وقد يقول قائل: إذا كان الحد مما يندر إقامته، لتعذر ثبوت الادلة، فلماذا إذن شرعه الإسلام؟
والجواب كما قلنا: أن الإسلام إذا لاحظ قسوة الجريمة وضراوتها فإنه يعمل لها ألف حساب وحساب قبل أن تقترف.
فهذا نوع من الزجر بالنسبة لهذه الجريمة التي تجد من الحوافز والبواعث ما يدفع إليها، ولا سيما وأن الغريزة الجنسية من أعنف الغرائز، إن لم تكن أعنفها على الاطلاق، ومن المناسب أن يواجه عنف الغريزة عنف العقوبة، فإن ذلك من عوامل الحد من ثورتها.